السيناريت : صالح سعيد
بمجرد أن أخذت قراري بأن أنشأ وأترعرع في عالم البيتزا تحت بند نظرية سبعة صنايع والبخت نهضة.. كنت دائما أسمع من أساتذتي العظام في هذا المجال أن أسوأ زبونين على الإطلاق هما أول زبون وآخر زبون.. فالأول يجبرك على أن تطرح تثاؤبك أرضا وتندم على كل لحظة سهر أمام الفيس بوك - آدي آخرة الشات - حتى يأكل هذا الزبون الطفس اللي صاحي من النوم يضرب بيتزا تصبيرة ع الصباح الباكر... أما آخر زبون فهو أكثر رخامة؛ لأنه وبعد أن تقوم بالتشطيب وتستعد للإقلاع من مطار المطعم وبمجرد ربطك للأحزمة يدخل عليك الزبون إياه ليعلن عن ترانزيت آخر... المشكلة أنه في كلتا الحالتين أنت مجبر على رسم ابتسامة عريضة مليئة بالفرحة والزقططة وأنت أساسا عايز تسويه مع البيتزا في الفرن.. وهذا ما حدث معي في تلك الليلة.. فبينما كنت أستعد للطيران خلف جرس الفسحة التي هي ساعتان الراحة من ٣ لـه.. دخل زبون غريب.. مبدئيا صعب تعرف له سن؛ لأن أكيد أيامه ما كانش فيها بطايق ولا سجل مدني أساسا، حاجة كده من التسعين وانت طالع - ده لو قدرت تطلع أساسا ولأول مرة لا أبتسم في وجه زبون بسرعة فقد كان عقلي يفكر بسرعة ويدعو يا رب ألحق أعمل له بيتزا قبل ما السر الإلهي يطلع.. نفضت عن ذهني كل التساؤلات لأن عامل الزمن لم يكن في صالحي.. ابتسمت رازعا إياه التحية قائلا:
تشاااااو...
فاجأني بأن رد علي قائلا:
تشااااااو - خمس مرات -
قلت:
يمكن على أيامه معلمينه اللي يقول لك تشاو مرة يرد عليه بخمسة عشان الحسد.. لم أتوقف كثيرا أيضا أمام تلك النقطة - العمر بيجري يا جدعان جدعان - فسألته سريعا عن نوع البيتزا وهل عايزها متحنطة ولا عادية... هنا ابتسم بهدوء السنين - القرون اللي فاتت - معلنا أن الموضوع ده تحديدا محتاج قعدة - يا لهوي -
قلت له:
أرجوك ما تتعبش نفسك بأنك تحكي لي قصة حياة البيتزا من أيام ما كانت قرصة بسمسم... انت بس قول نوعها وخلال خمس دقايق وبمجرد ما تكتب وصيتك هتلاقيها جاهزة بعون الله واهو تلحق تفرح بيها...
ابتسم لي أكثر معلنا لي أسفه على توقيت طلبه للبيتزا، قلت في سري: الحمد لله طلع عايش وبيفهم... أخبرني بأن هذه البيتزا تحديدا لها ظروف خاصة - طب ما انت ظرف نادر برضه - قلت طب انت بس قول لي نوعها وشوف أنا هعمل لك إيه، ولو عايز تحيرني شوية قول لي أول عشر حروف من اسمها وأنا هكمل... أخبرني بأن مشكلته ليست مع النوع، فهو يريدها مارجريتا عادية في النوع، لكنه يريدها مختلفة في الشكل...
قلت له:
- إحنا عادة بنعملها دائرية الشكل، لكن لو حنيت لأيام خوفو أنا ممكن أعملهالك على شكل هرمي مثلثي... هنا تحديدا رزعني المفاجأة الحقيقة بأنه يريد بيتزا على شكل قلب - مهند العصر البيزنطي - ضحكت غصب عني وعن ماما وبابا - أهلي يعني - ودار في عقلي كام ألف سؤال تلخصوا في كلمة واحدة، وهي:
- ليه ؟
قال لي:
عشان أهديها لزوجتي حبيبتي
- غطوني وارقعوا بالصوت - هنا تحديدا نسيت الإيطالي وأصول معاملة الزبون وانه دايما على صواب حتى لو قال لك اقلع الجزمة واضربني
بالشراب.. نسيت ده كله وصرخت بالمصري
- نعم يا روح أمك ؟ اندهش معلنا عدم فهمه... سألته إن كان فعلا بيتكلم جد ولا نسي يشرب اللبن الصبح وضرب جوينت أفغاني قلب عليه ذكريات الحرب العالمية الأولى.. أكد لي بمنتهى الحسم إنه بيتكلم جد وفعلا عايز بيتزا على شكل قلب حتى يهديها لزوجته الفرنسية كيارا - ديليسبس حضر فرحهم - التي سيقابلها بعد نصف ساعة في البار القريب من هنا ويفاجئها بها - ده يمكن تروح فيها - هنا وجدت نفسي أحترم هذا الرجل بشدة، لأن الزمن لم يهزم إحساسه بحبيبته، بل بالعكس كلما تقدم في السن فاض إحساسه بالرومانسية، ففكرة بيتزا على شكل قلب جميلة وبسيطة، على عكس الشباب اللي آخره يبعت لحبيبته إس إم إس اشحن لي شكرا.. سألته عن آخر مفاجأة منه للمحظوظة كيارا قبل البيتزاء التي سأتشرف بتنفيذها، قال لي إنه كتب اسمها بالورد الطبيعي في كل أرجاء المنزل - صايع صايع يعني - قلت له وأنا مساهمة مني في نعنشة وإنعاش قصة الحب الأثرية دي هكتب أول حرف من اسمها بالمايونيز على البيتزا بعد ما تطلع بألف سلامة من الفرن... فرح وقعد يقول شكرا لحد ما كان هيموت مني في المطعم...
سألته بشكل مفاجئ
- انت بتحبها أوي كده؟
هز رأسه بإيجاب ومزاج... حسيت إنه سؤال غبي مني لأنه أساسا مفيش وقت يلعب بمشاعرها... تفننت وأنا بعمل له في البيتزا على شكل قلب وبمجرد خروجها من الفرن كتبت له حرف الكيه بسرعة وأغلقت الكرتونة حتى لا تبرد البيتزا وحتى لا يطير دخان رومانسيتها.. استأذنته أنني سألحق به على البار حتى أرى بعيني رومانسية دار المسنين، وبالمرة أضرب قهوة هناك.. أخذ مني الكرتونة وانطلق بسرعة - ما اعرفش جابها
منين - نحو البار.. وأنا أيضا انتهيت من التشطيب بسرعة حتى أرى تلك الشحرورة الفرنسية وسر عشق هذا الرجل لها حتى هذا العمر.. بالفعل غادرت المطعم واتجهت للبار.. وصلت لأجد نفسي أمام مفاجأة قاسية لأنني وجدت كيارا تقف أمام زوجها الممسك بكرتونة البيتزا وهي تمسح بكرامته الأرض وهو يقف كالمبلول أمامها والذي بمجرد رؤيته الشخصي أسرع نحوي طالبا مني الاعتراف لزوجته بأنني أنا من كتبت أول حرف من اسمها على البيتزا وأنه لم يرني وأنا أكتبه؛ لأن كيارا تبدأ بالسي، وأن هذا سر ثورة زوجته العارمة - بيموتوا في النكد على مر العصور - بالفعل أخذت منه الكرتونة واتجهت نحو كيارا بطريقة من يحمل كفنه في الصعيد الجواني معربا لها عن أسفي وتقديري واعتزازي بمشاعر لم تعرف طريق ثلاجة كريازي.. فهي مشاعر ملتهبة رغم أن أحفاد أحفادهم أكيد مقطعين بعض في محكمة الأسرة.. تفهمت كيارا الموقف، خصوصا أن نظرات عيني زوجها الصادقة كانت مثل الموسيقى التصويرية المصاحبة الأسفي واعترافي.. غادرت المكان وهما سمنة على عسل لا يقدر بخمسين ستين صرة من الدنانير.. غادرت وأنا أؤكد لنفسي أن هو ده الحب الحكيكي.
Comments